الدكتورة مها الجمل تكتب: عابر أنا عابر
بين المسافات أنا عابر
عابر أنا حيث ركام بيتى ،يأخذنى الزمن إلى زمان كان لى بيت
عابر أنا عابر
حيث شوارع بلدتى ،تحت ترابها اشتم مسك الشهداء ،هنا أمى وأخى دفنوا فى أزقة تلك الشوارع لطالما مشينا على أرصفتها سويا
عابر أنا عابر
حيث كان لى أرض تزدان بالزيتون والليمون والزعتر ،فلا زيتون بقى لى ولا زيت أضاء ليلى الحالك ،ولا زعتر اتنفس رائحته فيطيب صدرى ،وتتعطر أنفاسى
عابر أنا عابر فلقد
كان لأبنائى مدرسه ومسجد ،كان هناك معلما وشيخا ،استشهد الشيخ والمعلم سويا ،وتمزقت أوراق الكتب وتبعثرت واحترقت
عابر أنا عابر
بين المشافى الشاهقة البنيان ،فلقد كان فيها طبيبا يرتدى ثوبه الملائكى الأبيض ،يضمد الجراح وينقذ الأرواح ، فلا عاد الطبيب هناك ،ولا شفيت الجراح ،وكلهم دفنوا أحياء تحت أسوار تلك المشافى ،ولم استطع رؤية الرداء الأبيض نعم لقد تفحم ،وتفحم ،ولم يبقى منه إلا الرماد ،وصوت الأشباح من بعيد تنادى لا حرمة لميت هنا
عابر أنا عابر
أمشى وعقلى ليس معى ،وقلبى يضخ ألما من الجراح لا دما ،فوق الملابس المبعثرة ،والكتب المبتورة العناوين ،أمشى فوق البيوت المدمره ،فكل ركن من اى بيت هنا شاهد على حياة لأناس كانوا هنا ،لم يعد لهم وجود
عابر أنا عابر
وقد وصلت فى عبورى الى عصر الخيام بيت لى ،عصر تحضير الغذاء لأطفالى على النار إن وجد ،عصر ربطت فيه الخواصر بالحجر جوعا ،عصر تجمد فيه الرضيع إلى الموت
انا الفلسطينى ،انا الكل الفلسطينى ،سأبقى عابرا فى كل الأزمان والأماكن ،انا لم أخلق عبثا ،ولا خلقت عبئا على أحد
انا لى أرض وبيت وتاريخ
أنا الأصل والميلاد ،والموعد
أنا ارض الميعاد ،ولا ميعاد الا بى
انا الثائر والثورة معا
انا تلك السماء الصافيه ربيعا
والخريف المتساقط غضبا
والشتاء العاصف قوة على الغاصب
والصيف المستعر شمسا يحرق من داس أرضى مغتصبا
أنا جموع كل الشرفاء فى العالم
انا الجنس الفلسطينى
بقلم /د.مها سعيد الجمل كاتبة صحفية وإعلامية